الفضاء السيبرانيّ إدارة وضرورة أمنيّة

لطالما شكّل التطوّر أحد أبرز عناصر حياة الإنسان وديمومته منذ التاريخ ولحينه. وكان له الفضل الأكبر في خدمته وتأمين راحته وتحسين طرق عيشه وتلاقيه مع الآخر، بالتماشي ونسبة التطوّر وفق كلّ مرحلة من المراحل الزمنيّة.
لكن اليوم، يتبيّن أنّ التطوّر التكنولوجيّ السريع، خاصة في مجال الفضاء السيبرانيّ غير المحدود وغير المضبوط، يستدعي دقّ ناقوس الخطر والتعامل معه بحذر وتأنٍّ لأنّه، وإن كانت منافعه عظيمة وشاملة، إلّا أنّه وبسبب سوء إدارة الإنسان له، قد يعيقه ويعيده إلى عصور داكنة مرّ عليها الدّهر.
لذلك، نرى أنّ الفضاء السيبرانيّ يماثل سيفاً ذو حدين، له من المنافع ما لم تشهده البشريّة منذ أوائلها، كما يختزن جانباً مظلماً من شأنه تبديل هرولة عقارب الساعة نحو الوراء، وجلّ ما يحتاجه هو كبسة زر.
من هنا، نفهم إنعدام الثقة بين الأطراف العظمى والتنافسات فيما بينها. فالصين وروسيا من جهة متّهمتان بخرق الأمن السيبرانيّ للولايات المتّحدة وأوروبا، اللّتين تسعيان لتقويته ومحاصرة الفضاء السيبرانيّ للعملاقين الشرقيّين والدّول الواقعة في فلكهما من جهة أخرى، لاسيما بعد الهجمات الإلكترونيّة التي طالت كلّ من إستونيا وأوكرانيا وكوريا الجنوبيّة وبرازيل وآثارها المدمّرة على هذه البلدان.
هذا، ومن دون تناسي وسائل وأسلوب المنظّمات الإرهابيّة في نشر فكرها المتشدّد، وجذب المتطرّفين من شتّى أنحاء العالم عبر اختراقهم وتمكّنهم من الفضاء السيبرانيّ.
لذلك، تعمل الدّول اليوم على التسابق نحو التطوّر المستجدّ، ولكن بحذر لافت من خلال تأمين وتمتين فضائها السيبرانيّ، وإحاطته بجدران حماية وتفعيلها، وإدخاله في صلب سياساتها واستراتيجيّاتها لا بل وأكثر من ذلك تربطه بسيادتها. لاسيما وأنّنا في زمن صارت فيه أبسط وأتفه وسيلة يستخدمها الإنسان في حياته الخاصّة والعامّة لا تخلو من أداة إلكترونيّة موصولة بطريقة أو بأخرى بالإنترنت، فصار رهناً بهذه التكنولوجيا.
حتى بتنا على مشارف نهاية المرحلة الإنتقاليّة التي يزول فيها مفهوم الحروب العسكريّة المعروفة عبر القرون والعقود باحتلالات واجتياز حدود طبيعيّة (بريّة وجويّة وبحريّة)، وظهور مفهوم الحروب الإلكترونيّة العابرة، لا للحدود الأرضيّة فقط إنّما للفضاء الأشمل.
ولخطورة هذا الموضوع، بات من الواجب إيجاد إرادة تعاون وتنسيق وتحقيق إدارة دوليّة مقوننة وجامعة وحازمة للأمن السيبرانيّ، من شأنها تأمين الفضاء السيبرانيّ، والإضاءة على فوائده المشتركة والشاملة لجميع الشعوب، وتكريس نقاط التلاقي بين الدّول، وتحديد قواعد وأصول النزاعات في هذا المجال، وأطرها، وحدودها، وأسس حلّها ومعالجتها سلميّاً بأقلّ ضرر ممكن.
باختصار، صارت المجتمعات الحديثة رهينة تكنولوجيا الإتصالات المتّصلة بالشبكة العالميّة. إلّا أنّ هذا الوضع لم يخلُ من مخاطر تهدّد وبشكل أساسيّ الشبكة وأمن المعلومات والمجتمع المعلوماتيّ، بسبب سوء استغلال الشبكات الإلكترونيّة لأهداف إجراميّة، مما يؤثّر سلباً على سلامة البنى التحتيّة للمعلومات الوطنيّة المهمّة والخاصّة. الأمر الذي استدعى تكوين
أمن سيبرانيّ لحماية الأنظمة الإلكترونيّة والمعلومات من أيّ اعتداء غايته الأذيّة والضرر، عبر البرمجيّات الخبيثة وهجمات التطبيقات التي تستهدف منشآت سياسيّة وعسكريّة ومدنيّة كالبنى التحتيّة للدّول، والأفراد والشركات.
هذا ما استوجب البحث، بالتّوازي مع الأمن، عن إدارة محليّة وإقليميّة ودوليّة لتوحيد الجهود، والحدّ من خروقات الفضاء السيبرانيّ، من خلال تعاون حثيث بمظلّة أمميّة ترعى اتّفاقات ومعاهدات تتناول الأمن السيبرانيّ.
المديريّة العامّة لأمن الدّولة
باتريك إيليا أبي خليل
 
شاركونا أي معلومات تعتقدون أنها تصب في مصلحة حماية الوطن والمواطن، وذلك من خلال التواصل معنا عبر خانة (اتصل بنا) مع حفظ حقكم بالتكتم عن أسمائكم، وحتى لو افصحتم عنها، فسوف تبقى سرّية. لا تترددوا بإبلاغنا عن أي معلومة مهما كانت هامشية او غير مهمة في نظركم، فكل معلومة يمكن ان تفيد.
 

822610 1 (961)+

info@state-security.gov.lb