الكلمة صار جسداً وحلّ بيننا
يُعدّ زمن الميلاد حدثاً فاصلاً في حياة الشعوب إذ بدأ التاريخ ببدءٍ جديد، طاوياً مرحلة العهد القديم وزمن العين بالعين والسنّ بالسنّ ليفتح الأفق أمام زمن الرحمة والمغفرة والمحبّة. زمن الميلاد هو زمن المجيء، الذي تمّ فيه استقبال يسوع المسيح في مذود فقير من تبن وعلف في بيت لحم منذ أكثر من ألفي عام، في لحظة جبروت وسكينة وتأمل أمام هيبة الحضور والإحتضان، وأناشيد ملائكة السماء التي كسرت الصمت وأعلنت ولادة المخلّص في مدينة داوود. زمن الميلاد تجلّى في الحبّ المرتدي حلّة التواضع، حين تجسّد المسيح في رحم البتول مريم ليولد طفلاً جائعاً باكياً خائفاً، ومغموراً بعيون العاطفة والمحبة والحنان كأيّ طفل في العالم.
لم يأتِ يسوع وحيداً بل في عائلة، تكريساً لأهميّتها وتثبيتاً لدعائمها، فأعلنها سبيلاً في إكمال حلقة الحياة الأرضيّة الهادفة إلى بلوغ طريق السماء. لم يأتِ يسوع مرجعاً لديانة معيّنة أو فئة معيّنة بل قدّم ذاته مجاناً للبشريّة جمعاء ليقبلوا به فيُعطَوا سلطان صيرورتهم أبناء السماء واستحقاقهم الحياة الأبديّة. لم يأتِ يسوع قاصداً الضمائر وحدها راسماً قواعد تنظيميّة ومبشّراً بنظم سلوكيّة وحسب، بل غاص في أعماق القلوب والأرواح فأسعدها وملأها راحة وسلام. لم يأتِ يسوع طالباً المُلك والثراء والنفوذ بل شافياً هادياً كاسياً راوياً غافراً، فشكّل حالة تقوى إيمانيّة بدأت مع إثني عشر تلميذاً، لتبلغ ثماره أرجاء العالم أجمع وتكون جسر المحبّة الذي يصل الأرض بالسماء.
وفي زمن الميلاد هذا، نتأملّ بخشوع ورهبة عظيمين الملك الذي لم يملك الممالك أو القصور أو الجيوش لكنّه دُعي ملك الملوك وارتقى بنا ليصيّرنا عائلة السماء، على أمل أن يتّعظ حكّام العالم الحاليّين ويتمثّلوا به.
المديريّة العامّة لأمن الدولة
باتريك إيليا أبي خليل